me

Friday, May 22, 2009

ثمنا لهــــــوى الأوطـــــان



رغم أن حب الوطن غريزة فطرية تولد معنا منذ الصغر .. وتنمو معنا فى كل مراحل العمر .. إلا أن أحدا منا لم يحاول أن يسأل نفسه لماذا اختص هذا المكان بالذات بكل ما أوتى من الحب والولاء .. دون غيره من الأماكن .. أكما يقول شوقى رحمه الله .
قد يهون العمر إلا ساعة
وقد تهون الأرض إلا موضعا
وهذا ما أكده شوقى أيضا فى سينيته الشهيرة وهو يكابد آلام غربته وحنينه إلى وطنه وذكريات طفولته وصباه فى قوله .
وطنى لو شغلت بالخلد عنه نازعتنى إليه فى الخلد نفسى
إلا أن ظاهرة " الحنين إلى الوطن " أو ما يعرف بـ home thekness تنسب إلى العرب أكثر مما تنسب إلى غيرهم فى الأمم وذلك لأننا كعرب نعتبرها مقياسا للولاء ومعيارا للوفاء لدى الإنسان وقديما قال الحكيم العربى " يقاس وفاء المرء بشيئين .. بحنينه إلى أوطانه وتندمه على ما فات من زمانه " .
لذا ظل شوقى يرسل بأشواقه إلى أصدقاء عمره ورفاق رحلته شاكيا وجده وكمده مستنكرا عليهم ارتواءهم من ماء النيل .. وهو يشكو صداه فى غربته .. يكابد غلة لا ترويها أنهار العالم .. فيواسيه " شاعر النيل " قائلا :
عجبت للنيـل يدرى أن بلبله
صاد ويسقى ربا مصر ويسقينا
لـم تنأ عنه وأن فارقت شاطئه
وقـــد نأينا وأن كنا مقيمينا
ولم يكن شوقى أول من عانى النفى عن وطنه .. وهده الظمأ إلى النيل فقد سبقه من الشعراء إلى ذلك .. محمود سامى البارودى وظل يبعث بأشواقه فى تضاعيف أبياته الرائعة العذبة قائلا :-
ليت شعرى متى أرى روضة المنيل
ذات النخـيل والأعنـــــــاب
حيث تجــــرى السفين مستبقات
فــــوق نهر من اللجين المذاب
وهو يحن إلى النيل ولياليه الساحرة .. ويئن من الشوق إلى محالى القاهرة .
وربما يكون " بدر شاكر السياب " من أكثر الشعراء معاناة للتشرد فى البعد عن وطنه الحبيب .. مثقلا بما نسب إليه من اتهام بالخيانة ممن قاموا بنفيه تبريرا منهم لقرار اقصائه .. وظل يشكو ويتألم ويتظلى شوقا فى قصيدته " غريب على الخليج " شوق الجنين إذا اشرأب من الظلام إلى الولادة .. أنى لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون .. ايخون إنسان بلاده .. إن خان معنى أن يكون فكيف يمكن أن يكون " .
ويبرز مدى اشتياقه ولهفته .. بالرغم من وجوده على شط الخليج .. فما الفرق .. بين خليج العراق وخليج غيره ولكنه يعلنها صريحة فى قوله : " الشمس أجمل فى بلادى من سواها والظلام .. حتى الظلام هناك أجمل .. فهو يحتضن العراق " وهو يحن ويئن .. شوا لهواء " جيكور " بلدته القائمة بالعراق وماء " بويب " الذى لا يروى ظمأه سواه فيتساءل " متى أعود .. متى .. أتراه يأزف قبل موتى ذلك اليوم السعيد " .
وحينما أدركه النصب .. وبدأ يشعر باليأس من العودة ظل يستجدى المنايا .. أن تخلصه من حياة الغربة وذلك فى قوله " يا خيول الموت فى الواحة .. تعالى واحملينى .. هذه الصحراء لا فرح يرف بها ولا أمن ولا حب ولا راحة " .
وبذلك دفع الكثير من العباقرة والأفذاذ أعمارهم ثمنا لهوى أوطانهم !

No comments: