me

Thursday, May 21, 2009

عنــدما يخطئ الكـــبار



جرت العادة أن يخطئ الصغار بينما يتصدى الكبار لنصحهم ويحملون على عاتقهم مسئولية التوجيه والتوعية لتصحيح الأخطاء وتفادى تكرارها مرة أخرى .. ولكن .. ماذا إذا أخطأ الكبار ؟! ومن الذى سيتكفل بمسئولية تصحيح تلك الأخطاء .. وإذا وجد من ينصح ويحاول التصحيح فهل سيتقبل هؤلاء تلك النصائح وإذا تقبلوها .. فهل سيعلمون بها ؟!
وإذا كان من حق كل فرد أن يعبر عن رأيه بمنتهى الحرية دون أن يخضع لأى ضغوط أو قيود .. وإذا كان الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية .. فإنه ليس من المعقول بالمرة .. إن يتم استغلال تلك الحرية للتجريح فى الآخرين .. والمساس بمشاعرهم والمثير للدهشة أن يحدث ذلك فى أحد البرامج التليفزيونية .. التى يتم اختيار ضيوفها بدقة وعناية حين صرح أحد الضيوف .. أن معظم المتطرفين هم طلبة وخريجو كليات الطب نظراً لطريقتها الصماء فى الدراسة والتى تخلو تماما من تعليم الذوق والفن وعلم الجمال على حد زعمه .. مما يسبب الكبت للطلاب ويدفعهم للتطرف والانحراف .
ونسى أو تناسى أن طلاب وخريجى كليات الطب .. كانوا هم حملة المشاعل وإعلام الفكر ودعاة التنوير للبشرية جمعاء .. وإن كان لا يذكر فليسأل التاريخ .. أو فليرجع بذاكرته إلى الوراء قليلا .. ويسأل نفسه .. فى أى كلية تخرج أحمد ذكى أبو شادى .. أو إبراهيم ناجى .. أو يوسف إدريس .. وغيرهم الكثير إلى أن نصل إلى أحمد تيمور .. وغيره من الكتاب والمبدعين والمفكرين .. الذين أثروا حياتنا الأدبية بأعمالهم الخالدة والتى تمثل فى حد ذاتها ردا على تلك الادعاءات .
ونظرا لكل تلك النماذج المشرقة والمشرفة .. والمحلقة دائما فى سماء الحياة .. كان هناك تسال يلوح فى الافا ويطرح نفسه منتهى الجدية .. عن ماهية العلاقة بين "الطب والأدب" .. ولماذا ينبغ الأطباء فى الأدب ويحتلون فيه مكان الصدارة ؟!
والإجابة عن هذا التسأل تحتاج لدراسات عديدة لكى تستطيع الإلمام بجوانبها المتعددة .. ولكن يمكن إيجازها .. فى ان الأطباء والعاملين فى المجال الطبى عموما .. يتعاملون مع النفس الإنسانية وهى فى غاية الشفافية والنقاء يعد ان انصهرت من الألم وجردها المرض من القوى الشريرة تماما .. مما يمكنهم من الوصول إلى أعماق النفس البشرية والبحث فى أغوارها ويأتها عن أسرار تلك الحياة العجيبة والتعمق فى مجاهل الصدور وما تنوى علية من الغرائب والمتناقضات .. فى الوقت الذى ينشغل فيه الآخرون بالظاهر والقشور والتى غالبا ما تحمل السخافات .

أليس من حق هؤلاء الذين لمسوا بأيديهم ضعف الإنسان وحقيقة أمرة ولامسوا بقلوبهم أوتار القلوب التى هدها الألم .. ورأوا بعيونهم .. مدى تمسك الإنسان بالحياة وحرصه عليها كلما احس بدنو الأجل .. إن يحتلوا مكان الصدارة فى الأدب والفن والفلسفة .. وإن يكونوا اقدر الناس على التعبير عن خلجات النفس الإنسانية .. وخاصة أنهم يحملون بداخلهم أسرارا يضيق الكون عن حملها وهم رغم ذلك لا يبوحون بها لأحد .. حفظا للأمانة ووفاء للقسم الذى اقسموه .. هذا إلى جانب أن الطب .. هو اسمى العلوم الإنسانية على الإطلاق .. لأن التعمق فى أسراره .. يقود الإنسان إلى الإيمان المطلق بعظمة الخالق .. ولأن قمة الإيمان أن ترى عظمة الخالق فى جمال المخلوق .. أليس من الظلم إذن أن يتهم خريجو وطلبة الطب بالترف والانحراف وجمود الفكر والشعور ؟!

No comments: