me

Friday, May 22, 2009

ثمنا لهــــــوى الأوطـــــان



رغم أن حب الوطن غريزة فطرية تولد معنا منذ الصغر .. وتنمو معنا فى كل مراحل العمر .. إلا أن أحدا منا لم يحاول أن يسأل نفسه لماذا اختص هذا المكان بالذات بكل ما أوتى من الحب والولاء .. دون غيره من الأماكن .. أكما يقول شوقى رحمه الله .
قد يهون العمر إلا ساعة
وقد تهون الأرض إلا موضعا
وهذا ما أكده شوقى أيضا فى سينيته الشهيرة وهو يكابد آلام غربته وحنينه إلى وطنه وذكريات طفولته وصباه فى قوله .
وطنى لو شغلت بالخلد عنه نازعتنى إليه فى الخلد نفسى
إلا أن ظاهرة " الحنين إلى الوطن " أو ما يعرف بـ home thekness تنسب إلى العرب أكثر مما تنسب إلى غيرهم فى الأمم وذلك لأننا كعرب نعتبرها مقياسا للولاء ومعيارا للوفاء لدى الإنسان وقديما قال الحكيم العربى " يقاس وفاء المرء بشيئين .. بحنينه إلى أوطانه وتندمه على ما فات من زمانه " .
لذا ظل شوقى يرسل بأشواقه إلى أصدقاء عمره ورفاق رحلته شاكيا وجده وكمده مستنكرا عليهم ارتواءهم من ماء النيل .. وهو يشكو صداه فى غربته .. يكابد غلة لا ترويها أنهار العالم .. فيواسيه " شاعر النيل " قائلا :
عجبت للنيـل يدرى أن بلبله
صاد ويسقى ربا مصر ويسقينا
لـم تنأ عنه وأن فارقت شاطئه
وقـــد نأينا وأن كنا مقيمينا
ولم يكن شوقى أول من عانى النفى عن وطنه .. وهده الظمأ إلى النيل فقد سبقه من الشعراء إلى ذلك .. محمود سامى البارودى وظل يبعث بأشواقه فى تضاعيف أبياته الرائعة العذبة قائلا :-
ليت شعرى متى أرى روضة المنيل
ذات النخـيل والأعنـــــــاب
حيث تجــــرى السفين مستبقات
فــــوق نهر من اللجين المذاب
وهو يحن إلى النيل ولياليه الساحرة .. ويئن من الشوق إلى محالى القاهرة .
وربما يكون " بدر شاكر السياب " من أكثر الشعراء معاناة للتشرد فى البعد عن وطنه الحبيب .. مثقلا بما نسب إليه من اتهام بالخيانة ممن قاموا بنفيه تبريرا منهم لقرار اقصائه .. وظل يشكو ويتألم ويتظلى شوقا فى قصيدته " غريب على الخليج " شوق الجنين إذا اشرأب من الظلام إلى الولادة .. أنى لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون .. ايخون إنسان بلاده .. إن خان معنى أن يكون فكيف يمكن أن يكون " .
ويبرز مدى اشتياقه ولهفته .. بالرغم من وجوده على شط الخليج .. فما الفرق .. بين خليج العراق وخليج غيره ولكنه يعلنها صريحة فى قوله : " الشمس أجمل فى بلادى من سواها والظلام .. حتى الظلام هناك أجمل .. فهو يحتضن العراق " وهو يحن ويئن .. شوا لهواء " جيكور " بلدته القائمة بالعراق وماء " بويب " الذى لا يروى ظمأه سواه فيتساءل " متى أعود .. متى .. أتراه يأزف قبل موتى ذلك اليوم السعيد " .
وحينما أدركه النصب .. وبدأ يشعر باليأس من العودة ظل يستجدى المنايا .. أن تخلصه من حياة الغربة وذلك فى قوله " يا خيول الموت فى الواحة .. تعالى واحملينى .. هذه الصحراء لا فرح يرف بها ولا أمن ولا حب ولا راحة " .
وبذلك دفع الكثير من العباقرة والأفذاذ أعمارهم ثمنا لهوى أوطانهم !

Thursday, May 21, 2009

عنــدما يخطئ الكـــبار



جرت العادة أن يخطئ الصغار بينما يتصدى الكبار لنصحهم ويحملون على عاتقهم مسئولية التوجيه والتوعية لتصحيح الأخطاء وتفادى تكرارها مرة أخرى .. ولكن .. ماذا إذا أخطأ الكبار ؟! ومن الذى سيتكفل بمسئولية تصحيح تلك الأخطاء .. وإذا وجد من ينصح ويحاول التصحيح فهل سيتقبل هؤلاء تلك النصائح وإذا تقبلوها .. فهل سيعلمون بها ؟!
وإذا كان من حق كل فرد أن يعبر عن رأيه بمنتهى الحرية دون أن يخضع لأى ضغوط أو قيود .. وإذا كان الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية .. فإنه ليس من المعقول بالمرة .. إن يتم استغلال تلك الحرية للتجريح فى الآخرين .. والمساس بمشاعرهم والمثير للدهشة أن يحدث ذلك فى أحد البرامج التليفزيونية .. التى يتم اختيار ضيوفها بدقة وعناية حين صرح أحد الضيوف .. أن معظم المتطرفين هم طلبة وخريجو كليات الطب نظراً لطريقتها الصماء فى الدراسة والتى تخلو تماما من تعليم الذوق والفن وعلم الجمال على حد زعمه .. مما يسبب الكبت للطلاب ويدفعهم للتطرف والانحراف .
ونسى أو تناسى أن طلاب وخريجى كليات الطب .. كانوا هم حملة المشاعل وإعلام الفكر ودعاة التنوير للبشرية جمعاء .. وإن كان لا يذكر فليسأل التاريخ .. أو فليرجع بذاكرته إلى الوراء قليلا .. ويسأل نفسه .. فى أى كلية تخرج أحمد ذكى أبو شادى .. أو إبراهيم ناجى .. أو يوسف إدريس .. وغيرهم الكثير إلى أن نصل إلى أحمد تيمور .. وغيره من الكتاب والمبدعين والمفكرين .. الذين أثروا حياتنا الأدبية بأعمالهم الخالدة والتى تمثل فى حد ذاتها ردا على تلك الادعاءات .
ونظرا لكل تلك النماذج المشرقة والمشرفة .. والمحلقة دائما فى سماء الحياة .. كان هناك تسال يلوح فى الافا ويطرح نفسه منتهى الجدية .. عن ماهية العلاقة بين "الطب والأدب" .. ولماذا ينبغ الأطباء فى الأدب ويحتلون فيه مكان الصدارة ؟!
والإجابة عن هذا التسأل تحتاج لدراسات عديدة لكى تستطيع الإلمام بجوانبها المتعددة .. ولكن يمكن إيجازها .. فى ان الأطباء والعاملين فى المجال الطبى عموما .. يتعاملون مع النفس الإنسانية وهى فى غاية الشفافية والنقاء يعد ان انصهرت من الألم وجردها المرض من القوى الشريرة تماما .. مما يمكنهم من الوصول إلى أعماق النفس البشرية والبحث فى أغوارها ويأتها عن أسرار تلك الحياة العجيبة والتعمق فى مجاهل الصدور وما تنوى علية من الغرائب والمتناقضات .. فى الوقت الذى ينشغل فيه الآخرون بالظاهر والقشور والتى غالبا ما تحمل السخافات .

أليس من حق هؤلاء الذين لمسوا بأيديهم ضعف الإنسان وحقيقة أمرة ولامسوا بقلوبهم أوتار القلوب التى هدها الألم .. ورأوا بعيونهم .. مدى تمسك الإنسان بالحياة وحرصه عليها كلما احس بدنو الأجل .. إن يحتلوا مكان الصدارة فى الأدب والفن والفلسفة .. وإن يكونوا اقدر الناس على التعبير عن خلجات النفس الإنسانية .. وخاصة أنهم يحملون بداخلهم أسرارا يضيق الكون عن حملها وهم رغم ذلك لا يبوحون بها لأحد .. حفظا للأمانة ووفاء للقسم الذى اقسموه .. هذا إلى جانب أن الطب .. هو اسمى العلوم الإنسانية على الإطلاق .. لأن التعمق فى أسراره .. يقود الإنسان إلى الإيمان المطلق بعظمة الخالق .. ولأن قمة الإيمان أن ترى عظمة الخالق فى جمال المخلوق .. أليس من الظلم إذن أن يتهم خريجو وطلبة الطب بالترف والانحراف وجمود الفكر والشعور ؟!

عليكِ أُنادى



يـا مــنْ هــواكِ بقلْبى يعــيشُ رغــْمَ بعـــادى
كيـف الـرحيلُ إذا مــا مَلَكْتِ نبــضَ فــــؤادى
أوْدى الحــنينُ بصـبرى وجـفَّ بحْــــرُ مِــدَادى
روحــى لقُـــرْبكِ تَهفو قلْبى عـــليكِ يُنـــــادى
أردتُ قَــــربَكِ منَّــى وما بلغـــْتُ مــــرادى
*****
يـا مـنْ أخــذتِ حـياتى ليْـتَ اللقـــاءُ يُـــواتى
حتــى أراكِ بعمـــرى كالبـــدْرِ فـى الظلــُماتِ
وهــل يَطــيبُ مُقامـى وقـد " سَئِمــتُ " حيــاتى
*****
يـا مـنْ أردتِ فـــراقى إنىَّ علـى العْهــــدِ بـاقى
ما زلْــتُ كـــلَّ صباحٍ أَهفــو ليـــومِ التــلاقى
وكلــمَّا مـــرَّ يــومٌ يـزدادُ فيْـــه اشتيــاقـى
*****
يـا مـن أردْتِ وداعــى ما عـــادَ للبعْــــدِ داعِ
هــواكِ بحْـرٌ طــوانى وضَـلَّ فيْــــهِ شـراعى
وَالْتَـــاعَ قلْبــى لأنىَّ لمْ أجْــنِ غيـــرْ ضـياعى
*****
قـد كـانَ حبُّك عنــدى يفــوق حًبــىَّ لـذاتـــى
واليــومَ ما عدْتُ أخشى بـأنْ تَحــــيْنَ وَفَــاتـى
فقــدْ تَسَـاوى بقـائى بعْــد النــــوى بمماتى

Wednesday, May 20, 2009

فى البـــــدء كانت الكلمة



أمانة كبرى تلك التى ألقاها الخالق .. على عاتق الإنسان واختصه وحده بها من بين كل الخلائق .. ألا وهى " الكلمة " لأن الكلمة وأن بدت فى ظاهرها شيئاً هينا .. إلا أن الحقيقة أكبر من ذلك بكثير وذلك لما كان للكلمة من أثر كبير فى تغيير مجرى حياة الشعوب وفى رسم تاريخ الأمم .
لذا لم يكن من قبيل المجازفة أن يدفع عباقرة الفكر والأدب حياتهم ثمنا لتلك الأمانة الكبرى .. بمنتهى القناعة والرضا لا يمانهم الراسخ .. بقيمة الكلمة ودورها المؤثر .
هذا ما يؤكده قول الراحل الكبير " جبران خليل جبران " فى كتابه " دمعة وابتسامة " فى مقاله الرائع " صوت الشاعر " حيث يقول " جئت لأقول كلمة وسأقولها وإذا أرجعنى الموت .. قبل أن ألفظها .. يقولها الغد .. فالغد لا يترك سرا مكنونا فى كتاب اللا نهاية " .
ولقد قال جبران كلمته ودفع ثمنها غاليا وهذه الكلمة أيضا كانت سببا فى رحيل شاعر العربية الأول " أبو الطيب المتنبى " حينما اعترضه قطاع الطرق فحاول الهروب وجنح للفرار .. فى محاولة للنجاة بنفسه .. ولكن غلامه فاجأه بقوله " ألست يا سيدى القائل :
" فالخيل والليل والبيداء تعرفنى .. والسيف والرمح والقرطاس والقلم "
فعاد أبو الطيب وثبت وقاتل على كره منه حتى قتل .. فدفع أبو الطيب حياته ثمنا لكلمة قالها .
لم يكن أبو الطيب أول من دفع حياته ثمنا للكلمة .. فلقد سبقه الكثيرون إلى نفس المصير .
ألم يدفع سقراط حياته ثمنا لقوله بان " الأرض كروية " ؟ فاتهم بالهرطقة وقدم للمحاكمة التى قضت بإعدامه وهذا ما دفع الكاتب والمفكر الفرنسى الكبير " فولتير " أن يكتب مقالاته وكتاباته بأسماء مستعارة فى بادئ الأمر .. حتى ينجو من خطر الإعدام .. وأن بدأ يجاهر بآرائه والتى منها قوله " كلمة ربانى هى الكلمة الوحيدة وهى الوصف الوحيد الذى يجب يتصف به الإنسان .. والكتاب الذى يجب أن يقرأه كتاب الطبيعة .. والديانة الوحيدة .. هى أن نعبد 00 وأن يكون لنا شرف وأمانة .. وهذه الديانة الصافية الخالدة لن تكون سببا للأذى حتى حكمت الحكومة الفرنسية ومعظم الحكومات الأوروبية آنذاك على مؤلفه بالكفر .. بل وقاموا بمنع تداول كتابه " المعجم الفلسفى " .. حتى وصل به الأمر إلى أن يشترى أرضا فى سويسرا .. وأرضا أخرى مجاورة فى فرنسا وذلك ترقبا للاضطهاد من إحدى الحكومتين " السويسرية " أو " الفرنسية " فإذا وجد الحملة عليه من فرنسا .. هرب إلى سويسرا وإذا وجد الحملة عليه من سويسرا هرب إلى فرنسا .
أما " رينان " الكاتب والمفكر الفرنسى أيضا فقد دفع ثمن كتابه حياة يسوع " غاليا والذى حدا بالكنيسة الكاثوليكية .. بإصدار حكم بتكفيره .. بل واعترضت على تعيينه أستاذا للغات السامية لأنه قال إن " المسيح إنسان لا أكثر " بل وقامت الكنيسة بمنع رعاياها من قراءة مؤلفاته .
لذا فلا عجب أن يدفع الكثير من الأدباء والمفكرين ثمن آرائهم غاليا .. لأنهم قد أدركوا قدر تلك الأمانة التى وقعت على عاتقهم .. فكان لابد لهم أن يكونوا على قدرها .

لمـــن أعيشُ بعْــــدك




مـنْ أيْنَ أَبـدأُ فى هـواكِ حكـايتى وبدايتى فى الحـبَّ مثلَّ نهايتى
كمْ كـنْتُ أَبغِى أن أَتُوبَ عن الهوى ورحلْتُ عنكِ وقلْتُ أعلِنُ تَوبتى
وأردتُ إِسْـدَالَ الســتارِ مُصممـاً " وكما بدأتُ فسوف أُنهى قصَّتى "
لكننـى ألقـــيتُ قلْبــى تـائهاً وشقيتُ وحْدى فى البعادِ بِغُربتى

****************
مــن ذا سـواكِ أَعيشُ حيْنَ يَعُودُنى وأمــوتُ إن ولَّى سناهُ بلوعتى
كـل الـذى أبغى جوابَ تساؤُلى لِمَ بِعْتِ حُبَّى وَاسْتَبَحْتِ خيانتى ؟!
لا .. لسْـتُ أسعـى لاتهامكِ قاصداً فالذنبُ ذنبى والحــنينُ خطيئتى
لا تحْسبى أنَّــى عشقتُكِ مُــرغماً فلقدْ هــوى قلْبى بكاملِ رغبتى
لكننــى مـا عــدْتُ ألقى مهرباً فَحِيالَ إحساسى فقــدتُ إرادتى


****************
ولمــنْ أعيشُ وكيف تأتى فرحتى وأنا بـدونكِ قـد فقــدت هوَّيتى
صعْبٌ بأنْ يَسْلُـوكِ قلْبى إن تَكُــنْ أَطْـيافُ حبَّكِ لا تُـفارقُ مُقلتـى
فَعَــلامَ أَشْـعَلتِ اللْهيبَ بداخــلى وتَركْتِ قلْبى فى غياهـبِ وحدتى
فلــقدْ دَفَعْـتُ جـزاء بُعدى باهظاً وأَضَعْتُ عُمرى فى خِضَمِ تَعاستى


****************
يـا مـنْ رأيتُكِ كلَّ شئٍ فى الـورى أَتُراهُ أَنْسَـاكِ الـزمــانُ محبَّتى
لا تحْكمـى ظُلمـاً علـىَّ فإننــى ألْفيتُ فى عينيكِ ســـرَّ هدايتى
أموتُ حُبَّا
فـؤادى لـو عَلمتَ يَمــوتُ حُبَّا فمالكَ يا حـبيبَ القلْــب تأبى
تقــولُ أما نسـيتَ وكيف أنسى وقلْبى فى الهـوى ما زالَ صَبَّا
ومـا لـَوْمِى عليكِ سِــوى دليلٍ بأنَّى قـد رَضيتُ البُعْـدَ غصبا
لقـــدْ لانَ الجمادُ لــوجْدِ قلْبى وأنْتَ كـما أرى ما زْلـتَ صلْبا

****************
فقلْبى لَـمْ يـزلْ لهــواكَ يحـيا لأنَكَ حينما نادْيــت لبــــىَّ
وقدْ يبــدو قـرارُ البعْدِ سهــلاً ولكنىَّ وجــدتُ البْعــدَ خَطْبا
وفى يَمَّ الشجـونِ أضعْتُ عمـرى فـمنْ يُعْطى كَسِيرَ القلْـبِ قـلْبا

Wednesday, April 29, 2009

أنــا وأنـــــــتِ



يـا قطــْرةَ الحــبَّ التــى تَســرى ببحـــرٍ منْ لُجِينْ
السحـــْرُ فيــكِ يَشـــدُّنى والعطْـــرُ يلْثمُ زهـــرتينْ
وأنــا شــــراعٌ تـأتــه ينســـابُ بيْـــنَ الضفتينْ

***************
يـا مــنْ غـرقْتُ بحـــرها وبقــيتُ لا أدرى لأيــنْ ؟
وأخــذتِ منَّـى خـافقـــى وملكْــتِ وحْـــدكِ خافقين
مــن ذا  يُصـدقُ أننـــا بالأمْـسِ  كُنَّـا عاشــقينْ
واليــومَ صِـرنا فى الــوَرَى بعْـــدَ التفــرُقِ تأئـهـينْ

***************
أيمــوتُ قلْبـــى ظـامئــاً ولديكِ تســرى أْلـفَ عـيْن
إنْ خــانَ غــيرى فاعلمــى أنَّ الـوفـــاء علىَّ دْيــنْ
كـــمْ كُنـــْتُ أحْلُــمُ أننـا فــوقَ الغصـــونِ مُحلَّقينْ
وبـأننـا مهمــا جـــــرى رغْــمَ التفــرقِ عـائـدْين

***************
لــمْ يبْـــقَ إلاَّ قصَّـــــةً تحكـى بقـايـا القصـــتينْ
وحــطامَ قلْـــبٍ كان لـــى وزمــانَ قــربٍ صـارَ بَيْن
وكـــلامَ حــبٍّ يَرْتَجــــى ثغــراً يقــولُ ومَسْــمَعينْ
أو بيْــتَ شعْـــرٍ صُغْتُـــهُ وأذبتــــهُ فــى دمعـتينْ

***************
  غــيرى أحــبَّكِ مــــرَّةً " " وأنـا أحــبُّكِ مـرتــيْن
فـلكلِ قلـــْبٍ وجهـــــةٌ لكــنْ لقلْبـكِ وجـهــتْين
معكِ اِرْتحلْتُ وعــدتُ وحـ ـدى خـائبـاً صِْفرَ اليـديْن

ماذا بعد محـــــو الأمية ؟



قد لا يكون من الخفى على أحد تلك الجهود المضنية .. وهذه المحاولات الدءوبة التى تقوم بها الدولة للتغلب على الأمية .. تلك المعضلة التى ظلت تخيم على الأجواء لفترة طويلة .. والعقبة التى ظلت تعترض كل سبل التنمية البشرية . وبرغم الصعوبات الكثيرة .. العقبات المتعددة .. إلا أنه من الواضح تماما إن تلك الجهود .. وهذه المحاولات قد نجحت إلى حد بعيد .. بل وبدأت تؤتى ثمارها المرجوة .. مما يدفعنا إلى مضاعفة الجهد للحصول على المزيد من المزايا .. والوصول للمزيد من النجاح .
ولكن رغم كل النجاحات إلا أن الحقيقة التى قد لا يعلمها الكثيرون .. وهى أن الأمية .. ليست أمية القراءة والكتابة فقط .. بل هناك أنواع أخرى من الأمية .. قد لا تقل خطرا عن أمية القراءة والكتابة إلا وهى الأمية الثقافية .. والأمية الفكرية .
وبالنسبة للأمية الثقافية .. فقد حاولت الدولة .. إيجاد الحلول المناسبة لها .. وذلك عن طريق مشروعها المثمر والرائد " مشروع مكتبة الأسرة " ذلك المشروع الذى تكفل بتثقيف المجتمع بأقل التكاليف الممكنة واضعا نصب عينيه أثر الحالة الاقتصادية وانخفاض مستوى المعيشة على طلاب الثقافة .. على اختلاف وسائلها ولكن أليس من المحزن بعد ذلك .. أن يقوم المذيع فى أحد برامج التليفزيون بتوجيه سؤال إلى بعض شباب الجامعة .. عن مقر " جامعة الدول العربية " فتكون الإجابة المفاجئة والمدهشة لكل المشاهدين .. أن مقر جامعة الدول العربية فى " أديس أبابا "
أليس من المؤلم أن يقوم المذيع بسؤال بعض طلبة الجامعة أيضا عن الزعيم الوطنى " محمد فريد " فتكون الإجابة أنه اسم شارع بالقاهرة فإذا كان المستوى الثقافى لشباب الجامعة .. ومن يفترض فيهم أنهم .. هم الواجهة الثقافية والحضارية المشرقة لشباب مصر .. بهذا القدر من التدنى .. اعتقد أن الأمر .. يدعو إلى الحزن ويبعث على الخوف على ثقافة مجتمعنا وما سيكون عليه .. فى ظل تلك المؤشرات وفى وجود تلك الدلائل .
أما بالنسبة للأمية الفكرية .. فاعتقد أننى لن أكون مبالغا إذا قلت .. بل أننى أكاد أجزم بأن الأعم الأغلب من مثقفينا .. يعانون من الأمية الفكرية .. والتى جعلتهم فى الواقع .. مجرد أوعية .. تكسب فيها الحقائق والمصطلحات والمفاهيم .. دون محاولة الاستفادة منها فى نصرة قضية أو الدفاع عن حق .. أو إثبات رأى وبدون القدرة على الربط بين تلك الأفكار والمفاهيم لتكوين رأى يعبر عن شخص هذا المثقف .. وعن ثقافة مجتمعه الذى يعيش فيه .. وعن مدى تأثيره .. وتأثره بمن حوله .. أو حتى فلسفة تلك الآراء والمفاهيم .. وبدون الانحياز لمبدأ .. أو الميل إلى رأى اتجاه .. فى ظل غياب ثقافة الحوار .. وهذا يعطى المبرر الكافى .. لمحاولات الغزو الفكرى المستمرة والمتتالية .
ومن كل ما سبق تتضح لنا التبعة الكبيرة .. التى تتحملها الدولة .. والمسئولية الضخمة .. الملقاة على عاتق المثقفين والمثقفين .. لمواجهة تلك العقبات ومحاولة إيجاد حل لتلك الصعوبات للتغلب على مشكلة الأمية بشتى صورها وكل اتجاهاتها .. لحماية أنفسنا .. وتوفير المناخ الثقافى المناسب للأجيال القادمة .

Friday, April 24, 2009

ربَّما يوماً أعود

 

أو بَعْــدَ أن قلْـتُ استراحتْ مُهْجتى وتَجمدَّ النبضُ الـذىَ صَهر الحـديدْ
وخبا لهـيبُ الشــوق بيـنَ جوانحى وكأننى أصبحْتُ نهــراً من جلـيدْ
وشعـرتُ أنَّى قـد أفقتُ لحاضـرى وطويتُ طوعاً صفْحةَ الماضى البعيدْ


 *****
 

وبقـيتُ أرْكـضُ فـى الحـياةِ كأننى زبـدٌ يُحــرَّكهُ العُبابُ كما يُريـدْ
ورضــيتُ أن أحْـيا بـدونِ هـويَّةٍ ووأدتُ حبى منْـذُ عـامٍ أو يـزيـدْ
وبـدأت أعـتادُ الحيــاةَ كمـا أنـا لكــنَّ قلْبى عادَ ينبضُ من جـديدْ


*****
 

ولأن قلْبى ذابَ خفقـاً فـى الضـلوعْ وانسابَ منىَّ فى بحـارٍ مـن دموعْ
وبـرغْم أنَّ المـوْجَ أغْـرق زورقى فأضلَّنى وتكسـرت منَّى القلــوعْ
وبـرغْم أنَّ القلْبَ قـد عـزمَ النـوى لكنَّه قـد عـادَ يَحلُمُ بالـرجـوعْ


*****
 

ولأن عمـرى بـاتَ يُوشكُ أن يَضيعْ ولأنَّ قلْبى قـد تجمَّـد فى الصقيع
ولأن حُــزنى قـد تمـلَّكَ خـافقـى فَذَوتْ غصونُ الحبَّ وَارْتَحلَ الربيعْ
أَخفـى فـؤادى ما اعتراهُ مـن الأسى والـدَّمــعُ عمَّا خلْفَ كتْمانى يُذيعْ


*****
 

يـا أيـها القلـْبُ الـذى عــذَّبتنى قـدْ كُنْتُ أعـْرفُ أن بُعدى لن يُفيدْ
فكـفاك مـن هـذا العـنادِ ودُلَّنــى مــاذا جنينا أيـها القلْـبُ العـنيدْ
ها أنْت فى الأهــوالِ قــدْ أوقعتنى وَرمَــيتَ بى فيما أردتَ ولا أُريدْ

عنـــــدما يسكت الناى



بعد أن أفرغ الناى كل أناته .. وألقى فى كل أرجاء الكون ألحانه .. فاهتزت جوانبه ما بين الطرب والأسى – وما بين الشدو واللوعة – لفظ جبران الذى نعيش ذكراه هذه الأيام أنفاسه .. مودعا ساحة الأحياء .. تاركا فيها دويا مازال يملأ أسماعهم ويوقظ مشاعرهم .. ومخلفا بريقا مازال يأسر ألبابهم ويملك أفئدتهم .. وكأنه كان يحاول أن يلقى بكل ما أوتى من الإبداع والإعجاب قبل أن توافيه المنية .. وهذا ما يثبته فى قوله :
أعطني الناى وغن
فالغنا سر الخلود
وأنين الناى يبقى
بعد أن يفنى الوجود
لذا شدا جبران بكل ما لديه من موهبة وترنم .. واعتصر .. ليسينا عصارة إحساسه .
لقد عاش جبران مغتربا عن وطنه .. وجرب آلام الغربة .. وهدته الوحدة .. فكان يهرب من تلك الوحدة إلى قلمه .. ليعبر لنا عن اسمى مشاعر الإنسان .. حينما يبحث فى ذاته ويغوص فى أعماق نفسه ليكشف لنا عجائب النفس البشرية وما تنطوى عليه من الأسرار وما تحمله من المتناقضات .
وعلى الرغم من أن جبران كان يضيق ذرعا بالناس من حوله .. ويخاطبهم فى احتقار وازدراء : " أنا أكرهكم يا بنى قومى ..لإنكم تكرهون المجد والعظمة " إلا أنه يعود ليلقى باللائمة على نفسه لأنه قد نأى بنفسه عن الناس ولم يحاول أن يقترب من خلجات نفوسهم .. يستشعر ما يجيش بداخلهم .. لكنه كان كلما غاص فى أعماق روحه .. ليصف لنا مشاعره الخاصة وأحزانه الدفينة .. يلمس بيديه أسرارهم الخفية وما تنطوى عليه صدروهم .
وهكذا عاش جبران الذى كان يحمل بين ضلوعه قلبا كالطائر الذى يأبى الاستكانة .. وروحا محلقة .. شديدة النفور من الواقع .. متطلعة للمجد الأزلى ونفسا أبيه تأبى الانحناء أمام العواصف .
ولقد تآلبت على جبران فى شبابه معضلات ثلاث هى الفقر والغربة والوحدة .. وما بين مهانة العوز ومرارة الحرمان وآلام الغربة وقسوة الوحدة .. تقلب جبران .. وعلى الرغم من أن جبران لم يكن يسعى إلى الثراء إلا أنه كان يطمح فقط لأن يحيا حياة كريمة .
ولقد عانى جبران من جراء ذلك العوز .. الكثير حتى ترك لنا مقولته الخالدة " ما أظلم من يعطيك من جيبه ليأخذ من قلبك " .
أما الغربة فقد كتبت عليه إلى الأبد .. ويروى صديقه " ميخائيل نعيمة " كيف أنه كان يحكى عن " بشرى " بلدته الصغيرة فى لبنان وصومعته الطبيعية المنحوتة فى حضن الجبل القائمة بضاحية " مارسركيس " فى جبهة وداى " قاديشا " على سطح جبل الأرز وما يحيط بها من أشجار الأرز المقدس .. وحنينه إليها .. واشتياقه للعيش فيها .. لكن القدر لم يمهله لتحقيق ما كان يحلم به .. حتى أن " ميخائيل نعيمة " كان يقول له مرهبا ومحفزا " أخشى ألا تزور بشرى إلا فى أحلامك وألا تدخلها إلا محمولا على الأيدى " .
وقد تحققت مخاوفه فلم يدخلها جبران بعد ذلك إلا محمولا لتشييعه إلى مثواه الأخير .. ولم يدخلها ميخائيل نعيمة إلا زائراً ليضع باقة من أزهار الجبل وأكاليل الغار على قبر صديقه ورفيق رحلته ..
وأما الوحدة – فلازمته منذ صباه – فبعد أن فجعه الدهر فى معظم أفراد أسرته .. ولم يبق من تلك الأسرة سوى أخته " ماريانا " التى كتب لها أن تعيش لتشييعه إلى مثواه الأخير .. ولم تكن فجيعته تلك هى الأخيرة .. فقد فجعه الدهر فى قصة حبه الأولى والتى خلدها فى روايته الرائعة " الأجنحة المتكسرة " والتى استقبلها العالم العربى بانبهار شديد أنذاك واعتبرها النقاد والمثقفون لونا جديرا من الإبداع الأدبى الذى يستحق التقدير والاهتمام .. وظلت أحاديث الأوساط الأدبية لفترة طويلة .. وتفاعل القراء معه .. لما لمسوه من صدق التجربة وقدرته الفائقة على الصياغة والتأثير الذى حرك قلوب الناس وأيقظ مشاعرهم وبخاصة تلك التوطئة المؤثرة والتى يتضمنها قوله وسلمى الجميلة العذبة .. قد ذهبت إلى ما وراء الشفق الأزرق ولم يبق من أثارها فى هذا العالم سوى غصات أليمة فى قلبى .. وقبر رخامى منتصب فى ظلال أشجار السرو .. فذلك القبر وهذا القلب .. هما كل ما بقى ليحدث الوجود عن سلمى كرامة " .
وعلى الرغم من فرحة جبران بما حققته " الأجنحة المتكسرة " من النجاح والذيوع إلا أنه كان ينزف من داخله .. لأنه كان يعلم أن كل هذا النجاح .. لن يعيد إليه ما سلبه الدهر إياه .. لذا حاول جبران عقد الهدنة مع أحزانه والاستغراق فى الفن .. لمعرفته بأنه أكبر معين للروح لكسر قيودها وعقد السلام بينها وبين الدنيا جميعا .. لأنه قد حظى بالاثنين .. الشعر والفلسفة وكلاهما مرآة الحقيقة .
وعلى الرغم من ذلك عاش جبران حياة مضطربة مليئة بالعواصف الشعورية والتقلبات العاطفية ولم ينعم بالاستقرار الروحى الذى هو غاية كل فنان .
وبرغم توالى نجاحات جبران وترجمة كتاباته إلى أكثر من لغة وتوالى صدور مؤلفاته " المجنون – السابق – العواصف – النبى " وذيوع شهرته فى أمريكا .. لدرجة أنه قد وقع الاختيار على مقولته الشهيرة " ما اليوم إلا ذكرى الأمس ولا الغد إلا حلم اليوم " لتكتب على واجهة إحدى الكليات بولاية كلورادو .. وبلوغه بذلك قمة المجد والشهرة وحصوله بهما على المال .. إلا أنه لم يجد إلفا لوحدته ومات كما عاش " فى غربة " .